الركائز الأربع لثقافة تشجع على امتلاك المزيد
ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة “مولي دونغيا” (Mollie Donghia)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في الحد من الإسراف على أصعدة عدة.
نسعى إلى تبذير الأموال كي نرضي رغباتنا المتزايدة، ولمعرفة المزيد لتبقى أذهاننا محفزة، ونلاحق كل جديد كي لا نصاب بالملل، ونُسارع في العمل كي نزيد من الإنتاجية ونختصر الوقت.
منذ أن دخلتُ “عالم الكبار” بعد التخرج من الجامعة والزواج، أدركتُ كم ازدادت الرغبة من أجل امتلاك المزيد؛ إذ كانت الميزانية في أول عام لزواجي محدودة للغاية بسبب ديون الجامعة، وأجبرَنا ذلك على المشي للمكتبة يومياً من أجل شبكة إنترنت مجانية، وعلى الأكل خارج المنزل فقط في المناسبات الخاصة، والتسوق من البقالية التي تمنح حسومات لنقلِّل من مصروفات الطعام.
مرت تلك السنة المتقشفة على ما يرام، ولكن بمجرد أن انتهينا من دفع ديون الجامعة واشترينا منزلاً جديداً، أذكر أنَّني شعرت بحاجة إلى المزيد حتى لو لم يكن دخلنا السنوي والقرض المنزلي يسمح بذلك.
يملك العديد منا ذلك الشعور الذي يجعلنا نريد أن نواكب حياة الآخرين، وهذا الشعور هو المسؤول الرئيس عن رغبتنا بالمزيد في المقام الأول.
عندما يصبح المزيد أكثر من اللازم:
خلال الشهر الماضي عكفت على قراءة كتاب “السهولة في التربية” (Simplicity Parenting) للكاتب “كيم جون باين” (Kim John Payne) وقد علمني بعض الطرائق القيمة لتنمية روح الأطفال، وتسهيل بيئتهم المنزلية، وبناء جداول زمنية صحية.
قمت بتدوين ملاحظات كثيرة وفكرت بطرائق لتطبيق تعليمات “باين” في عاداتنا التربوية، وأدركتُ أيضاً أنَّ ما ينطبق على الأطفال ينطبق علينا نحن الكبار أيضاً، يقول “باين”: “يُعرَف عالمنا بالأعمدة الأربعة للكثير”.
العناصر الأربعة للكثير:
- سلع كثيرة.
- خيارات كثيرة.
- معلومات كثيرة.
- سرعة كثيرة.
ملأنا حياتنا بالكثير من السلع، والالتزامات، والخيارات، والعجلة من أمر لآخر، وأعتقد أنَّه لتجنب فخ العصر الحديث وامتلاك الكثير الزائد، نحتاج أن نتعلم كيف أنَّ الأقل يمكن أن يبسِّط من حياتنا الجسدية والنفسية، فمن الهام أيضاً معرفة مواطن ضعفنا ضمن هذه العناصر الأربعة.
يعني هذا بالنسبة إليَّ تقليل عدد الملابس في خزانتي، ووجود هامش أكبر في جدولي الشهري لأكرسه لتعليم ابنتي في المنزل، والكتابة في مدونتي، وقضاء وقت ممتع مع العائلة، كما يمكن أن يعني حتى التسوق من بقالية بخيارات محدودة لكل سلعة؛ وهذا يسمح لي باتخاذ قرارات سريعة والحد من الشراء الاندفاعي.
أدركت أنَّ الكثير هو معضلة قد يراها الناس في بعض البلدان غير مفهومة، لكنَّني لا أستهين بالموضوع، فكم نحن محظوظون عندما نلبي احتياجاتنا، ونحقق راحتنا، ونقدر على إنشاء منزل كامل ثم يبقى لدينا ما يكفينا من المال.
ولكن عندما ننتبه للأشياء التي تزيد عن حاجتنا ونتعلم أن نبسِّط عاداتنا، ومصروفاتنا، واستهلاكنا، فإنَّنا لا نكسب المزيد من المال فقط؛ بل المزيد من التحرر من سلطة الفوضى والانشغال العارمَين؛ لذا، كيف يمكننا تجنب المشكلات التي يسببها امتلاك الكثير؟
السلع الزائدة:
طبق قاعدة الـ 48 ساعة: بما أنَّ الأمر بيدي في المنزل، فإنَّني أحاول أن أطبق “قاعدة 48 ساعة” قدر الإمكان؛ فتوقف عن شراء السلع (إلا إن كانت أساسية) لـ 48 ساعة لترى إن كنتَ لا زلتَ بحاجة إلى شرائها بعد أن تمضي هذه المدة؛ لأنَّ الاحتمال وارد بأن تغير رأيك وتدرك بأنَّك على ما يرام دون تلك السلعة.
قلل من خزانة ثيابك: أمعن النظر في خزانة ملابسك، وابقَ على الملابس التي ترتديها بالفعل أو تحبها، وتخلص مما يحوي ثقوباً، أو بقعاً، أو بحاجة للإصلاح مما لم ترتده في السنة الفائتة.
ابقَ على شيء وتخلص من آخر: عندما تظل تكدس أشياء دون أن تتخلص من أخرى، فسوف يمتلئ منزلك بأشياء أكثر مما تقدر على استعماله، وعندما تجلب شيئاً جديداً لمنزلك (قطعة ملابس، أو لعبة جديدة، أو كتاباً)، فكر في اختيار قطعة أخرى يمكن أن تتبرع بها أو ترميها كي تحل محلها القطعة الجديدة.
الخيارات الزائدة:
التزم بجدول وجبات يومي: أصبح لدينا بفضل وسائل التواصل الاجتماعي خيارات أكثر من اللازم بخصوص وجبة الغداء كل يوم؛ إذاً، لماذا يعاني الناس (بمن فيهم أنا) في التخطيط لما يتناولونه على الغداء؟ يوجد الكثير من الخيارات، والتي من الممكن أن تعوق عملية صنع قراراتنا، فجرب صنع قائمة من 8 أو 10 وجبات مما تفضله العائلة، وأعد تلك الوجبات لموسم كامل، هذه الطريقة حاسمة أكثر وأقل تكلفة بما أنَّك ستستعمل المكونات نفسها لفترة معينة.
قم بتدوير ألعاب أطفالك: عندما يكون لدى الطفل خيارات لعب أقل، تزداد قدرته على التركيز ويكون أكثر إبداعاً في لعبه، وبالنسبة إليَّ فأنا أستعمل عبوات بلاستيكية لأضع بها ألعاباً لبضعة أسابيع أو شهر كل مرة، وعندما يحتاج الأطفال أن يغيروا لُعبهم، أحضرُ العبوات وأعيد استعمالها وأضع بها الألعاب الأخرى وأخبئها لفترة من الوقت.
حافظ على روتين سهل: لا تحاول أن تضيف مهام روتينية عدة ليومك على أمل أن تغير حياتك بمعجزة، ولكن اختر بضع عادات أو روتين سهل والتزم به، وبمجرد أن تتمكن منها، فلا بأس أن تنتقل إلى روتين جديد، فإنَّ المهمة الحقيقية هي في البقاء مركزاً على فكرة واحدة وأخذها على محمل الجد حتى تتعلمها جيداً.
المعلومات الزائدة:
امتنع عن وسائل التواصل الاجتماعي: في المواسم التي أشعر بها بالتعب أو الضغط، فإنَّ إحدى أول الأشياء التي أقوم بها هي الامتناع عن وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمن المريح ألا تشعر بالضغط من مواكبة أخبار حياة الآخرين كي تظل حاضراً مع من حولك خلال ذلك الوقت.
قم بالحد من متابعة الأخبار: إنَّ البقاء على صلة ومعرفة ما يدور في العالم أمر هام، ولكنَّ ثقافتنا تعتمد على مصادر عدة لاستقاء الأخبار حتى أصبحَت – في بعض الأحيان – مصدراً للتوتر لا داعي له؛ لذا، فبدلاً من استعمال 3 أو 4 مصادر للأخبار (التلفاز، أو الصحف، أو شبكة الإنترنت، وما إلى ذلك)، التزم بمصدر واحد موثوق منها. يقرأ زوجي الجرائد كل يوم، وهكذا يجد أحداثاً أقل مأساوية وعدداً محدوداً من القصص التي تثير اهتمامه.
السرعة الزائدة:
اترك هامشاً أكبر: هل تزدحم أمسياتك بحيث تجد من الصعوبة أن تجد وقتاً لوجبة عائلية أو للمشي بعد العشاء؟ اترك بعض الأمسيات إن كان بالإمكان دون واجبات أو نشاطات، وقلل من عدد الواجبات الإضافية لأطفالك، وخصص وقتاً كي تستمتع بالحياة بالمجان، كزيارة الأصدقاء والاسترخاء في الطبيعة.
لا تقم بأكثر من مهمة في آنٍ واحد: عندما نحاول إنجاز أمور عدة مرة واحدة، فسنتعرض لشعور أكبر بالتشويش، والضغط، وعدم الكفاءة. لقد حققتُ نجاحاً كبيراً في وضع قائمة من 3 مهام، أؤدي كل مهمة على حدة حتى تكتمل، ثم أنتقل إلى المهمة التالية على القائمة، فالحياة لا تقتصر على الإنتاجية؛ بل على الاستمتاع بالرحلة كذلك.
لا يُعَدُّ امتلاك الكثير أمراً بذاك السوء دائماً، ولكن عندما يصبح امتلاك الكثير مصدراً للتوتر أو لفقدان الامتنان لما نملكه، أو عندما يتسبب بازدياد رغبتنا بامتلاك المزيد والمزيد، فعندها يكون الوقت قد حان للتمهل، والتريث، والحد مما نملكه.
المصدر
اكتشاف المزيد من رذاذ التجارة والاقتصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.