استراتيجيات التسويق

تسويق الغوريلا “حرب العصابات”


لا يخفى على أحد اشتداد المنافسة بين الشركات التجارية، والتي أقل ما يمكن أن تُوصَف بالشرسة؛ لذا أصبحَت الشركات والمنظمات تدرك جيداً أهمية صناعة تميزها عن منافسيها مع الأخذ في الحسبان المحافظة على الجودة وتقديم خدماتها أو منتجاتها بأقل تكلفة ممكنة، فاعتمدَت المنظمات على وظيفة التسويق في جمع المعلومات ومراقبة سلوك العملاء ورصد حاجاتهم وتلبية توقعاتهم، ومن ثم بناء خططها وفقاً لأسس علمية واضحة.

لقد عمدت المنظمات إلى تطوير أساليبها التسويقية متجاوزة الأساليب التقليدية إلى أساليب تكون أكثر قرباً من المستهلك وتخلق لديه صورة ذهنية وسمعة جيدة طويلة الأمد، ومن أشهر الأساليب التسويقية الرائجة في العصر الحالي والتي تحقِّقُ ذلك استراتيجية تسويق الغوريلا أو ما يُعرَف بحرب العصابات التي تقوم على استراتيجيات جديدة غير تقليدية لكسب العملاء والسيطرة عليهم.

ما هو تسويق الغوريلا؟

قدَّمَ “جاي كونراد ليفنسون” (Jay Conrad Levinson) مصطلح تسويق الغوريلا في كتابه الصادر عام 1983 بعنوان “تسويق الغوريلا” (Marketing Guerrilla)؛ فعرَّفه قائلاً: تنتمي جميع الإعلانات المبتكرة اللافتة للنظر إلى مفهوم استراتيجية، وهي إعلانات ذات أفكار خيالية غير نمطية غير معتادة؛ أصيلة، مثمرة، مرنة، ديناميكية، مبتكرة، خلاقة.

استراتيجية الغوريلا هي استراتيجية إعلانية تقوم على الاعتماد على أساليب تسويقية منخفضة التكاليف ومبتكرة وأصيلة غير مألوفة للحصول على نتائج مميزة، فهي استراتيجية تعتمد على كسر قواعد الإعلان وتهدف بشكل رئيس إلى زعزعة مكانة الخصم والمنافسين في السوق، إضافة إلى تنشيط الجمهور وتحريكه عن طريق إحداث التغييرات المفاجئة، مع الحرص على عدم تكرار الأفكار الإعلانية؛ وذلك لأنَّها لن تفاجِئ الجمهور مرة ثانية.

يجب أن تكون أفكار استراتيجية الغوريلا ممتعة وتشبع القيم الإيجابية لدى الجمهور ولا تزعج أحداً منهم وتحقق الإثارة المطلوبة بغية الوصول إلى أقصى حد في جذب الجمهور وبأقل كلفة ممكنة.

تركز أفكار استراتيجية تسويق الغوريلا في إبراز نقاط القوة في العلامة التجارية والتقليل من نقاط الضعف، فهي تحمل بين طياتها الخيال على حساب القوة السوقية وحجم الميزانية الإعلانية والتسويقية.

باختصار يمكن القول إنَّ تسويق الغوريلا يعتمد على علم النفس وتأثيره في الحالة النفسية للعميل أكثر من اعتماده على الخبرات، وهو أسلوب ناجح مع المنظمات الصغيرة ومتوسطة الحجم أكثر من المنظمات الكبيرة، يركز في الصورة الذهنية للمنظمة بدلاً من التركيز في زيادة حجم المبيعات فقط.

ما هو الفارق بين التسويق التقليدي وتسويق الغوريلا؟

  • يحتوي التسويق التقليدي على عنصر الغموض، فقد لا يستطيع الجميع فهمه واستيعاب الأفكار المقصودة فيه؛ لذا فقد يدفع الشرائح المستهدفة إلى الارتباك والتوتر في كثير من حالاته، بينما تسويق الغوريلا واضح وبسيط وسهل الأفكار وقريب من تفكير الشريحة المستهدفة.
  • يعتمد التسويق بشكل أساسي وفي كافة نشاطاته على المال بوصفه محركاً أساسياً لجميع ما يقوم به، بينما يعتمد تسويق الغوريلا على الإبداع بالأفكار واستثمار الجهود والوقت بأفضل شكل ممكن.
  • يُستَخدَم التسويق التقليدي بشكل أساسي من قِبَل الشركات الكبرى، بينما ينجح تسويق الغوريلا مع الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم.
  • يُقاس نجاح التسويق التقليدي بمدى كسبه للمال، بينما يُقاس نجاح تسويق الغوريلا بعدد العلاقات التي نجح في بنائها وعدد العملاء الذين أصبحوا يكنُّون الولاء للشركة.
  • يركز التسويق التقليدي فيما يمكن أن تحصل عليه الشركة من العميل وتستفيد منه، بينما يركز تسويق الغوريلا فيما يمكن تقديمه للعميل.
  • يبتعد التسويق التقليدي عن استخدام التكنولوجيا ويُفضِّل التعامل المباشر مع العملاء، بينما يرى تسويق الغوريلا التكنولوجيا عاملاً من عوامل تحقيق النجاح وتحقيق التواصل الجيد والفعَّال مع العملاء.
  • يقوم التسويق التقليدي على تقديم خطاب من طرف واحد وهو الشركة، ويعطى لمجموعة كبيرة من العملاء، بينما تسويق الغوريلا يتميَّز بتعاملاته الفردية والشخصية.
  • تكون كل الوسائل التي يستخدمها التسويق التقليدي وسائلَ باهظة الثمن، بينما تتميز الوسائل التي يستخدمها تسويق الغوريلا بتكلفتها المنخفضة.

شاهد بالفيديو: 5 مهارات مهمة بالتسويق الرقمي

 

مبادئ تسويق الغوريلا:

1. غير متوقع:

يعتمد تسويق الغوريلا على عنصر المفاجأة في جذب العملاء؛ مثل استخدام أشياء غير معتادة في وقت، أو جذب انتباه الجمهور من خلال إشراكهم في حدث لم يكونوا على استعداد للمشاركة فيه.

2. التأثير القوي وبعيد الأمد:

يركز تسويق الغوريلا في التأثير في عواطف العملاء ومحاولة كسبهم بصفتهم عملاء دائمين.

3. ممتع:

يتَّسم تسويق الغوريلا بحس الفكاهة التي يَعُدُّها الطريق الأسرع في الوصول إلى عقل وقلب العميل؛ فيعمل على إنشاء البيئة المريحة والودية بين المنظمة وعملائها التي تساهم في جذب أكبر عدد ممكن.

4. إعلان لمرة واحدة:

لا يمكن تكرار فكرة الإعلان مرة أخرى، فهي أفكار لاستخدام واحد فقط وفي زمن معيَّن، ويجب توظيف كل العوامل المحيطة للانسجام معها وإنجاحها.

5. الإبداع:

الخيال هو محور استراتيجية تسويق الغوريلا، فبدلاً من الاعتماد على الميزانية التسويقية؛ يتم الاعتماد على الفكرة المبكرة الإبداعية الجديدة غير المكررة.

6. البساطة وعدم التعقيد:

فكرة واحدة تستلزم تصميماً بسيطاً مبدعاً دون الحاجة إلى أي تكلُّف، وكلَّما كانت أكثر بساطة، حازت على انتباه وإعجاب شريحة أكبر من الجمهور.

7. تكلفة منخفضة:

يمثل عامل التكلفة المنخفضة السبب الرئيس بتبنِّي الشركات لاستراتيجية تسويق الغوريلا، فهدفها الأساسي هو التأثير في موقع المنافس والمحافظة على الميزانية المنخفضة في نفس الوقت.

8. الفائدة:

يعمل تسويق الغوريلا على إشعار العميل بالرضى وبتحقيقه للفائدة، فيمكن مثلاً تقديم شيء ما بوصفه جزءاً من الحملة التسويقية، أو جعله بحالة نفسية أفضل كإضحاكه أو جعله يشعر بالذكاء.

الوسائل المُستخدَمة في استراتيجية تسويق الغوريلا:

1. الوسائل المحيطة:

من عادات التسويق التقليدي أن يطلق إعلاناته عبر الوسائل المعروفة مثل التلفاز والصحف والمجلات، بينما يستخدم تسويق الغوريلا الوسائل غير التقليدية مثل توزيع الإعلانات بواسطة كروت في الأماكن العامة كمترو النقل أو في المولات، فهو يعتمد على الغرابة في جذب الانتباه ولا يحصر نفسه في وسيلة واحدة، فيمكن أن يستخدم الكرت ويمكن أن يوزِّع الأوراق أو يستخدم الشاشات الكبيرة وأي شيء من شأنه إيصال أفكاره بنجاح إلى الشريحة المُستهدَفة.

2. الاعتماد على تأثير الأفكار الإبداعية:

عادةً ما تبحث المحطات التلفزيونية عن الأخبار غير التقليدية وغير المألوفة من أجل الحصول على أكبر عدد من الجمهور؛ لذا فهي تجد في أساليب تسويق الغوريلا مادة غنيَّة لها، كما أنَّ الغوريلا تهدف من وراء أفكارها الإبداعية إلى جذب انتباه وسائل الإعلام وجعل أفكارها وأساليبها حديث الساعة والوصول إلى الجمهور المُستهدَف بأقل التكاليف.

3. الهجوم التسويقي:

تعمل استراتيجية الغوريلا على تعزيز منتجات وخدمات الشركة عبر الاعتماد على عنصر المفاجأة ونصب الكمين للجمهور المُستهدَف من أجل الترويج الجيد، ولكنَّ هذا الأسلوب قد يصل في بعض الأحيان إلى إدخال الشركات في مشكلات قانونية؛ فعلى سبيل المثال أرادَ صاحب شركة فودافون في أستراليا القيام بإعلان هجومي؛ فقام بالاعتماد على سلوك غريب في أثناء مباراة كرة قدم بين فريقي أستراليا ونيوزيلندا؛ إذ دفع شابان من الهواة إلى أرض الملعب عاريين وعلى ظهريهما شعار شركة فودافون، ورغم أنَّ هذا فعل غير مسؤول وكان من الممكن أن يقود الشركة إلى القضاء، إلَّا أنَّ نتائج الإعلان كانت إيجابية أكثر من المُتوقَّع؛ فقد أصبحت شركة فودافون الراعي الرسمي للفريق الأسترالي.

4. الاعتماد على التطور التكنولوجي بشكل أساسي:

تقدِّم التكنولوجيا يومياً أشياء تجعل حياة الإنسان أكثر سهولة؛ فقد عمل تسويق الغوريلا على استثمار ذلك التطوُّر في الوصول إلى أهدافه؛ فقد استثمر وجود الهواتف الذكية والشبكة العنكبوتية ووجود فرصة التسوُّق عبر الإنترنت وغيرها من الوسائل الحديثة.

5. التسويق الفيروسي:

يقوم التسويق الفيروسي على الوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور وفي أسرع وقت ممكن؛ ويتم ذلك عبر التمرير المضاعف والسريع للرسالة المُستهدَفَة؛ فمثلاً عمدت شركة البرمجيات مايكروسوفت إلى اعتماد استراتيجية التسويق الفيروسي عندما قامَت بتذييل البريد الإلكتروني المجاني بعبارة (Join the worlds largest free E- mail service with MSN Hotmail)، وقد بدأت هوتميل بعشرين مُستخدِماً في عام 1996 لتصل إلى أكثر من 420 مليوناً في عام 2013.

في الختام:

تلجأ أغلب الشركات في العصر الحالي إلى استخدام تسويق الغوريلا في الإعلان عن منتجاتها وخدماتها وجذب الجمهور إليها، فمن الجيِّد ابتكار حملة إعلانية بتأثير قوي وتكلفة منخفضة إذا ما تمَّت مقارنتها باستراتيجيات التسويق التقليدي، لكنْ وعلى الرغم من الإيجابيات الكثيرة التي يحقِّقها تسويق الغوريلا، لكن يُؤخَذ عليه عدم التفكير في الجوانب السلبية التي تحدث في أثناء استخدامه، فمن الممكن أن تؤدي بصاحبها إلى مشكلات قضائية إذا ما اتَّبَع أساليب مُبالغ فيها، كما يمكن أن تسبِّبَ هذه الاستراتيجيات الارتباك والخوف للجمهور عند مفاجأتهم بها؛ ومن ثم يمكن أن يكون لها أثر مناقض ينمِّي اتجاهات سلبية تجاه الخدمة أو المنتج؛ لذا يُنصَح باتِّباع أساليب مقبولة ولا تسبِّب الرعب أو الإزعاج للجمهور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى