استراتيجيات التسويق

كيف يؤثر العقل الباطن على قرارات الشراء؟


التسويق عبارة عن نشاط إنساني يهدف إلى إشباع حاجات الإنسان ورغباته من خلال عملية المبادلة، فهو يعمل على التنبؤ برغبات الأفراد وتصميم النشاطات المناسبة لتلك الرغبات من أجل تحقيق رضى المستهلكين، ومن ثم الحصول على الحصة السوقية وضمان مركز تنافسي جيد ومميز يؤدي في النهاية إلى حصد الأرباح.

مفهوم علم النفس التسويقي:

علم النفس التسويقي مصطلح يجمع بين علم النفس الذي يقوم على دراسة السلوك الإنساني وبين التسويق الذي ينطوي على مجموعة من النشاطات التي تهدف في النهاية إلى بيع المنتجات والخدمات، فعلم النفس التسويقي هو علم نفس المستهلك الذي يعمل على تحديد السوق المستهدف من ناحية عمر المستهلكين وجنسهم والحالة الاقتصادية لهم والمكان الموجودين به.

إضافة إلى دراسة سلوك المستهلكين من خلال جمع المعلومات والبيانات بالاعتماد على الاستبيانات واستطلاعات الرأي والدراسات المختلفة، والهدف من ذلك كله هو البحث عن أفضل السبل لتسويق المنتجات والخدمات التي تقدمها والوصول إلى السوق المقصود عبر اجتياز أفضل طريق.

باختصار يهدف علم النفس التسويقي إلى:

  1. فهم آلية تفكير المستهلكين وآليات شعورهم.
  2. فهم الطرائق التي يعتمدها المستهلكون في الاختيار بين البدائل.
  3. فهم طريقة تأثير البيئة التي يعيش فيها المستهلك في سلوك شرائه وتشمل البيئة: الأسرة، الثقافة، المعتقدات، العلامات التجارية الموجودة، الإعلام وغير ذلك.
  4. المبادئ التي يعتمد عليها المستهلك في أثناء اتخاذ قرارات الشراء.
  5. دراسة تأثير دوافع المستهلك في قرار الشراء.
  6. البحث عن أساليب تحسين حملات التسويق من أجل زيادة التأثير في المستهلك.

نشأة علم النفس التسويقي:

تأسس علم النفس التسويقي على يد “هارلو غيل” (Harlow gale) أول طبيب نفسي عمل في مجال الدعاية والإعلان، فقد اهتم بدراسة سلوك الأشخاص وتعاملهم مع الإعلانات التي يشاهدونها والأسباب التي تدفعهم إلى شراء المنتج المعلن عنه.

أما عالِم النفس الثاني الذي ساهم في تأسيس علم النفس التسويقي هو “جون واتسون” (John watson) مؤسس علم النفس السلوكي، فقد أجرى أبحاثاً نفسية عدة في الإعلانات أيضاً، وخلص “واتسون” إلى نتيجة مفادها أنَّ الإعلان هو فرصة للتأثير في الناس من أجل شراء منتجات محددة سواء أكان هؤلاء الناس قد فكروا في شراء تلك المنتجات بشكل مسبق أم لا، ويرى “واتسون” أنَّ الإعلان الفعال يقوم على ثلاثة مشاعر فطرية للإنسان هي الحب، الخوف، الغضب.

أما ثالث عالِم مؤثر في علم التسويق النفسي هو “والتر ديل سكوت” عالم النفس الأمريكي الذي شرح نظريته في كتابه الذي صدر في عام 1903م بعنوان “علم النفس الدعاية: النظرية والتطبيق”، ومفاد نظريته أنَّ إثارة المشاعر والتعاطف والعاطفية عبر الإعلانات يمكن أن تؤثر بسهولة في المستهلكين بدلاً من رؤية دور الإعلانات بوصفها مصدراً للمعلومات، ورأى “والتر سكوت” أنَّ دورها في المقام الأول هو الإقناع.

شاهد بالفيديو: ما هي مراحل عملية التسويق؟

 

أساليب علم النفس التسويقي للتأثير في المستهلكين ودفعهم إلى اتخاذ قرار الشراء:

1. الإيحاء:

إنَّ ذكر فكرة معينة أمام الإنسان يمكن أن يدفع به للتفكير في موضوع آخر مرتبط بتلك الفكرة سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.

2. التحايل:

يُقصد بالتحايل قيام الشركة أو المنظمة بإيهام المستهلك بأنَّه فاز بصفقة جيدة معها؛ لذا نجد العديد من تلك الشركات تقدم عروض أسعار من أجل ذلك.

3. وهم النفاد:

الإنسان بطبيعته ينجذب إلى الأشياء قليلة الوجود ويميل إلى اقتناء الأشياء التي تبدو نادرة، فمثلاً قيام دور السينما بالترويج لمشاهدة فيلم ما، فتعلن أنَّه لم يتبقَّ إلا عدد محدود من التذاكر بسعر مميز، فيندفع المستهلكون لاقتناء تلك التذاكر.

4. التجريب من أجل عدم الخسارة:

تعمل العديد من الشركات على إطلاق خدماتها أو منتجاتها للمستهلكين ضمن ما يسمى الفترة التجريبية، ومن ثم تصبح مأجورة فهي تعمل من خلال ذلك على جعل المستهلك يعتاد المنتج أو الخدمة، وهذا يدفعه إلى الشعور بحاجته إلى تلك الخدمة، ومن ثم سوف يقوم بدفع المال من أجل الاشتراك بها خوفاً من خسارتها.

5. تبادُل المنفعة:

الإنسان بطبعه ميال لرد الجميل، ويمكن استثمار تلك الميزة في عالم التسويق، فالإنسان يقدم خدمات للإنسان الذي سبق أن قدم له خدمات، فمثلاً الخدمة الجيدة في مطعم ما سوف تُكسبك زبوناً دائماً، إضافة إلى عمولة أكبر.

6. دليل اجتماعي:

نشاهد في المجتمع حالات مختلفة لأشخاص اشتروا أشياء لا يحتاجونها أبداً أو لا يحبونها، لكن فضلوا اقتناءها لمجرد أنَّ غيرهم من الناس فعلوا ذلك؛ لذا في العصر الحالي وضمن خطة التسويق النفسي تقوم المنظمات والشركات وأصحاب المحال التجارية والمطاعم وسواهم بشراء متابعين على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل إيهام الجميع أنَّهم يملكون قاعدة شعبية كبيرة، ومن ثم اكتساب زبائن جدد.

7. التوفير:

في عالم التسويق تقوم الشركات بإيهام المستهلكين أنَّهم حصلوا على منتجات ذات جودة وبسعر منخفض؛ إذ تتخذ من سعر المنتج نقطة ارتكاز وتوحي للمستهلك أنَّ سعر المنتج هبط وأنَّه ما كان ليحصل على ذات المنتج في الأحوال العادية.

8. تكرار الوهم:

من أكثر الأشياء التي تستغلها الشركات في بيع منتجاتها وخدماتها هي فكرة تكرار الوهم؛ إذ تكرر من الإعلانات والحملات الترويجية، فعندما يصادف المستهلك الإعلان في المرة الأولى ومن ثم يصادفه مرة ثانية وثالثة، فإنَّه يرى أنَّ تلك إشارة تنبئه بضرورة اقتناء ما تضمنه الإعلان.

9. تأثير القصة:

يرى علماء النفس أنَّ تأثير القصة في سلوك المستهلك أكبر من تأثير الإحصاءات والأرقام التي تقدمها؛ لذا غالباً تلجأ الشركات لكي تضمن نجاحها في تسويق منتجاتها وإقناع المستهلكين بالشراء إلى رواية قصص وتجارب المستهلكين.

كيف يؤثر العقل الباطن في قرار الشراء؟

إذا كنت تمشي في الشارع وقام أحد الكلاب الشاردة بمهاجمتك، فلن يلزمك الكثير من الوقت لكي تهرب أو تركض بعيداً عنه؛ وذلك لأنَّ عقلك الباطن أوحى لك بذلك واتخذ قرار الدفاع من خلال ما يختزنه من معلومات، فهدفه الأول هو الحفاظ على حياة الشخص وحمايته من أي خطر يتهدده، وهذا ينطبق على سائر القضايا الأخرى في حياة الإنسان، ففي مجال التسويق مخطئ من يظن أنَّ صناعة إعلان جيد ومميز كافية لزيادة المبيعات وكسب زبائن أكثر، ففي الحقيقة الحملة الإعلانية الجيدة والفعالة التي تؤتي بثمارها هي التي تؤثر في الجوانب العاطفية للمستهلك وتستهدف مساحة اللاوعي لديه.

العقل الباطن هو الذي يقود مسيرة الإنسان ويحرك حياته، فهو المؤثر الأول لاتخاذ أي قرار، أما عن كيفية حدوث ذلك فهو كالآتي:

توجد مواد كيميائية تتفاعل في جسم الإنسان هي: الكورتيزول، الدوبامين، الأوكسيتوسين، فعند حدوث أيَّة عملية أو خطر أو خوف تتفاعل بحيث تنبه اللاوعي لاتخاذ السلوك المناسب.

بالنسبة إلى المنتجات الجديدة فهي تشبه ما يحدث عند الشعور بالخطر، فعندما يُعرض المنتج بشكل فجائي وجديد يقاوم العقل ذلك ويفكر بالهروب منه، لكن باعتماد سلوك التكرار سوف يغير العقل الباطن برمجته القديمة، فالكثير من الأشخاص الذين يفضلون شراء منتج ما ليس لأنَّه الأفضل؛ بل لأنَّه معتاد على شرائه؛ لذا فالتسويق عبر اعتماد طريقة التكرار سوف يقنع العقل الباطن للمستهلك باتخاذ قرار الشراء.

إذا كانت الشركة تقدم منتجاً جديداً فهنا يجب مداعبة العقل الباطن والعمل على جذبه ونشر المشاعر الإيجابية وامتصاص ما فيه من مشاعر سلبية تجاه منتجات الشركة، فعند مداعبة اللاوعي عن طريق التحفيز سوف يفرز العقل في الجهاز العصبي كيميائيات السعادة (الدوبامين)، وعند قيام الحملات الإعلانية بالتأثير في العقل الباطن تأثيراً صحيحاً سوف يشعر بالسعادة ويتخذ قرار الشراء، ويمكن تلخيص مراحل مخاطبة النص للعقل الباطن (اللاوعي) بما يأتي:

  1. الدوبامين (المقدمة).
  2. الكروتيزول (عرض المشكلة عبر سرد قصة).
  3. تحقيق سعادة كل من (الدوبامين والكورتيزول) عبر إعطاء الحلول.
  4. (الأوكسيتوسين) تحقيق السعادة وكسب العميل الجديد.

شاهد بالفيديو: قوانين العقل الباطن

 

في الختام:

يقول أحد علماء النفس: “بوسع المرء أن ينظر وأن يرى، وأن ينظر لكن لا يرى، وألا ينظر أو يرى، وربما أن يرى دون أن ينظر”.

لقد ثبت عملياً أنَّ ثمة اختلافاً حول آليات التسويق وكيفية عملها على الإقناع، فالغرض من التسويق النفسي هو جذب الانتباه وتقديم رسالة مقنعة تؤثر في العقل الباطن للمستهلك بحيث تحدث تغيرات في اتجاهاته وتقنعه بالشراء، فتوجيه رسائل سريعة للمستهلك عبر التسويق والإعلان يلعب على وتر الإقناع، وهو ما يسمى بإغواء العقل الباطن وجذبه.

العقل لا يشبه الحاسوب؛ بل يشبه شاشة الحاسوب التي تنقل لنا ما يدور في العقل الباطن الذي يقوم بالعمليات كما يقوم الحاسوب بها، فالإعلان الذي ينطوي على التسويق النفسي بوصفه جزءاً أساسياً منه هو صناعة لا يستهان بها وغالباً ما يكون وراء كل قصة نجاح هائلة علم واسع يشمل فعاليات ونشاطات متعددة تهدف إلى بيع المنتجات والخدمات والوصول إلى المستهلكين وكسبهم بشكل دائم عبر إغواء العقل الباطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى