الفرق بين المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى

حتى في الفن وفي الرسم والتمثيل والإلقاء والغناء ثمة من يكون مبدعاً متفرداً، ومن يقلِّد ويحاول أن يكون نسخة عن غيره من الناجحين، وهذا مصيره الفشل بالتأكيد، ولأنَّنا نقرأ كلمات مكتوبة الآن، نحب أن نفرد هذا المقال من أجل توضيح الفرق بين المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى عموماً، وفي الكتابة خصوصاً.

ما هو المحتوى الإبداعي؟

المحتوى الإبداعي هو المحتوى الحصري الذي تم إنتاجه بناءً على قراءات وتجارب واستطلاعات وخبرات ورؤى صانعه، ويتسم هذا المحتوى بالذكاء والفطنة وإحداث التأثير المرجو في الآخرين بحسب الغرض من صناعته، فإذا ما كان الغرض من عرض مسرحي إضحاك الجمهور ونجح الكاتب والمخرج والممثلون في إيصال صوت قهقهة الحضور إلى خارج المبنى، فإنَّ هذا المحتوى يكون إبداعياً، وقد أدى غرضه المرجو منه، أما إذا كان الغرض من المحتوى الإبداعي استثارة عواطف الجمهور، فإنَّ بكاء الحاضرين دلالة على الإبداع.

إذا ما كان الغرض منه إحداث تأثير في عقول المستقبلين، فإنَّ مجرد تقبُّل الجمهور للفكرة المطروحة وإعمال فكرهم في تمحيصها بعد أن كانت مرفوضة تماماً أو إثارة شكوكهم بعد أن كانت من المسلمات، فهذا أيضاً محتوى إبداعي.

إنَّ الإعلان الإبداعي لجمعية خيرية هو الذي يدفع المشاهدين إلى التعاطف مع أطفالها والتبرع لهم، وإنَّ المحتوى الإبداعي لموقع إلكتروني هو الذي يدفع المتصفحين لقراءة مقالاتهم، وإنَّ الإعلان التسويقي الإبداعي هو الذي يحوِّل المشاهدين إلى عملاء.

لنكن صريحين، فإنَّنا إذا ما سمعنا أغنية جميلة فسنعجب بها بالتأكيد، لكن إذا ما قام شخص آخر بسرقة لحنها فإنَّنا سنتخذ موقفاً سلبياً من الأغنية الجديدة، والأمر ذاته ينطبق على المشاهد في الأفلام والعبارات والتشابيه في الكتابات، وهذا ما يؤكد ضرورة كون المحتوى الإبداعي حصرياً ومن نتاج المبدع ذاته وبعيداً عن أي تقليد.

نحن هنا لا ننكر أنَّ القارئ يتأثر بما يقرأ، وقد يتخذ أسلوب المحاكاة وهذا لا يُعاب على الإبداع إذا ما كان ضمن حدود معينة، ففي كل مجال إبداعي توجد قدوة وقامات عظيمة تتحول إلى مدارس في إبداعها.

الفرق بين المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى:

إذا ما كنت كاتباً أو صانعاً لمحتوى تطمح أن تكون فريداً وتريد معرفة الفرق بين المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى، فتفضل بقراءة هذه النقاط:

1. المحتوى الإبداعي محتوى حصري:

كم من مغنية حاولت تقليد صوت السيدة “فيروز” لتلفت انتباه السامعين؟ وكم من كاتب حاول تقليد الشاعر “نزار قباني” في بساطته وجرأته وغزله؟ ونحن في الحالتين نشير إلى الشخصين بوصفهما تابعين بقول “المغنية التي تقلد فيروز، والكاتب الذي يقلد نزار”.

هنا لا تكون متابعة الجماهير للمحتوى نابعة عن إعجابهم به؛ بل تكون نابعة عن امتعاضهم واستهجانهم من أولئك الكسالى الذين استسهلوا السير في طرقات عبَّدها الآخرون بدموعهم وجهودهم على أن يتكبدوا عناء شق طرقهم الخاصة التي ربما كانت ستوصلهم إلى نقاط أبعد؛ لذا فإنَّه من الضروري أن يبتعد صانع المحتوى عن تقليد الآخرين ويحاول أن يكون ذاته إذا ما أراد صناعة محتوى إبداعي يتميز عن غيره من المحتوى المتشابه.

2. المحتوى الإبداعي لا يعرف طريقاً إلى الابتذال:

قد يلفت الابتذال الأنظار، ولكنَّه أبداً لا يحصد احترام المتابعين بين الفيديوهات المنتشرة على “يوتيوب” والمقالات المكتوبة على المواقع والأفلام المعروضة على الشاشات ما هو مبتذل ويحصد آلاف المشاهدات والتفاعلات، لكن هذا لن يدوم، فكم من أغنية سخيفة أحدثت ضجة واسعة لفرط تفاهتها إلا أنَّها وبعد أيام معدودة تُبتلع في مصارف النسيان؟ وتبقى الأغاني الخالدة والكلمات الخالدة والأعمال الخالدة محفوظة في الذاكرة والوجدان.

لذا إذا ما أردت أن تصنع المحتوى الإبداعي عليك ألا تستسهل التفاهة والابتذال والمجد الزائف اللحظي الذي يحققونه، وتفكر جدياً في صناعة محتوى يحترم إنسانيتك ويقدم قيمة ما لجمهورك.

3. المحتوى الإبداعي لا يعني التعقيد:

يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون أنَّ الإبداع مرادف للتعقيد، مثل عندما يصنعون محتوى معقداً كلوحة تحتاج إلى ألف ساعة لحل لغزها، أو كفيلم يجب مشاهدته مرات متتالية لفهم رسالته أو كقصيدة مليئة بالكلمات قليلة التداول لإظهار براعة الشاعر اللغوية.

يجب أان يعلم صانع المحتوى الإبداعي أنَّ الكثير من الأعمال الإبداعية تندرج تحت مسمى “السهل الممتنع”؛ أي الذي يبدو بسيطاً وسهلاً، ولكنَّه مليء بالتفاصيل التي تتكامل لإظهاره بهذه الروعة والبساطة والتي تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لإنتاجهما.

لذا ضع لنفسك هدفاً من المحتوى الذي تصنعه، وحاول أن توصل رسالتك لكل من يطلع على محتواك، وتأكد من أنَّ خبراتك وقراءاتك وتجاربك ستظهر في تفاصيل عملك دون أن تضطر إلى استعراضها بشكل منفِّر.

شاهد بالفديو: 7 نصائح لكتابة محتوى ناجح

4. المحتوى الإبداعي يعتمد على الموهبة:

مما لا شك فيه أنَّ الموهبة أساس صناعة المحتوى الإبداعي، ولكنَّها – على أهميتها – غير كافية وحدها، فالفرق بين المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى هو ارتكاز المحتوى الإبداعي على الموهبة والمَلَكة التي منحها رب العالمين لكل إنسان، فإذا ما أراد الإنسان أن يبدع ويترك بصمة في مجال ما، لا بد له من البحث في ذاته عما يبرع فطرياً في أدائه.

معظم الكتَّاب والرسامين والمغنين المبدعين قد برز إبداعهم في وقت مبكر بسبب موهبتهم، ثم قاموا بصقل هذه الموهبة وتشذيبها وتأطيرها بالعلوم والقواعد التي تضبط حدودها لتخرج على هيئة المحتوى الإبداعي الذي نراه، فالطفل مثلاً الذي يمتلك موهبة الرسم قد لحظ أو لحظ ذووه هذه الموهبة وقاموا بمساعدة أستاذ متخصص على تعليمه أصول كل نوع من أنواع الرسم، ليتسنى لنا رؤية لوحاته بهذه الاحترافية والإبداع في المعارض والمزادات.

من المؤسف أنَّه في بعض الحالات يظن أصحاب المواهب أنَّ امتلاكهم للموهبة كافٍ، فلا يطورون أنفسهم ويبقون يدورون حول أنفسهم، ويكررون ما أبدعته الموهبة حتى يصبح مملاً ومطروقاً.

5. المحتوى الإبداعي وقوده التأمل:

إنَّ مَن يتأمل المحتوى الإبداعي في كل مجال من مجالات الحياة يلتمس عبقرية المبدع صانع المحتوى، ويكتشف أنَّ هذه العبقرية والفطنة جاءت نتيجة تأملات المبدع، فالمصمم الذي يصمم إعلاناً طرقياً يلفت الأنظار قد اعتمد على تفصيلات دقيقة تمر في حياة كل منا بشكل عادي، ولكنَّه أبدع في تسخيرها بطريقة تخدم الغرض الذي يصمم محتواه لأجله.

على سبيل المثال، كلنا قد تابعنا الفيلم الكارتوني الشهير “توم وجيري” ورأينا محاولات القط الفاشلة لاقتناص الفأر عندما يخرج من جحره، وهذه الفكرة كانت الأساس الذي استند إليه مصمم الإعلان الإبداعي الخاص بشركة “بيبسي” عن منتجها “بيبسي دايت” تحديداً، عندما رسم ذيل القط خارجاً من الجحر وفي الخارج علبة “بيبسي دايت” التي كانت سبباً في إيصاله للرشاقة التي مكَّنته من دخول الجحر.

في مثال آخر كتب الشاعر السوري “نزار قباني”: “وجعي يمتد كبقعة زيت من بيروت إلى الصين” الذي استطاع فيه أن يسخر مشهداً نراه بشكل يومي تقريباً عن طريقة انتشار بقعة زيت على الملابس بتقدم لا يمكن إيقافه، ويستخدمه في وصف امتداد أوجاعه غير القابلة للسيطرة عليها.

العوامل المؤثرة في المحتوى الإبداعي:

فيما يأتي بعض العوامل التي تؤثر في المحتوى الإبداعي، فإذا ما أحكمت عليه أفقدته خصائصه الإبداعية وحولته إلى نموذج مكرر كغيره من المحتوى، ومن هذه العوامل نذكر ما يأتي:

1. هامش الحرية:

في كثير من البلدان تحد السياسة أو الأعراف الدينية والمجتمعية حدود الإبداع وتكون من العوامل المؤثرة في المحتوى الإبداعي، وهنا يضطر صانع المحتوى إلى التقيد بها تلافياً لأيَّة اصطدامات مع السلطات أو الوجهاء، فعلى سبيل المثال، في الفترة التي سبقت العصور الوسطى في الغرب كانت الكنيسة تُطبِق بفكيها على كل الأعمال الأدبية والفنية، وتدحض أي عمل لا يحوم حول المسيحية واللاهوت.

2. “الجمهور عاوز كده”:

من العوامل المؤثرة في المحتوى الإبداعي وخاصةً في أيامنا هذه هو رأي الجمهور، كونه أصبح صاحب رأي فعال ومباشر عبر تفاعلاته على منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت، ومما لا شك فيه أنَّ جميع الأعمال الإبداعية لم تُخلق لتبقى حبيسة الأوراق والجدران؛ لذا فإنَّ الانصياع لرغبات الجماهير بات جزءاً لا يتجزأ من المحتوى الإبداعي، فكثير من الإعلانات لاقت ردود فعل عكسية بسبب عنصريتها على الرغم من أنَّ المحتوى الإبداعي ضمنها في أوجه، ولكنَّ الجماهير الإنسانية الرافضة للعنصرية رفضت هذه الإساءات.

3. ضعف الاطلاع:

إنَّ ضعف الاطلاع يُعَدُّ من العوامل المؤثرة في المحتوى الإبداعي؛ لذا وسعياً نحو محتوى إبداعي متجدد لا بد لصانع المحتوى من الاطلاع المستمر على إبداعات غيره ليتعلم منها لا ليقلدها، فالكاتب على سبيل المثال من المفيد جداً أن يطلع على كتابات غيره من الأدباء العرب أو الغربيين المعاصرين أم السابقين؛ وذلك لأنَّ كل ذلك يصب في سعة اطلاعه ويفتح له المزيد من الأبواب على عوالم الإبداع.

4. الوسيلة تخدم الغاية:

إنَّ استعراض الأدوات والوسائل والمعارف التي يمتلكها صانع المحتوى لغرض الاستعراض فقط بما لا يخدم الغاية التي يُصنع المحتوى لأجلها يُعَدُّ من العوامل المؤثرة في المحتوى الإبداعي، ولك أن تتخيل أنَّ مصمماً على برنامج “الفوتوشوب” قرر استعراض مهاراته في القص والدمج وحاد عن هدفه الأساسي في صناعة التصميم، هل سيكون محتواه إبداعياً أو استعراضياً؟ أو كاتباً لقصص الأطفال قرر استخدام مفردات لغوية معقدة، هل سيخدم هذا إبداعه؟

في الختام:

إنَّ الفرق بين المحتوى الإبداعي وغيره من المحتوى يتلخص في توظيف المهارة والموهبة في اختلاق خط فريد وراقٍ بعيد عن الابتذال والتقليد والتعقيد إلا فيما يخدم غايته، والأهم من ذلك كله أنَّ المحتوى الإبداعي هو محتوى حصري نابع من التفرد الشخصي لصانعه وبصمته المميزة التي يمهر بها أعماله.