استشارات مالية

الاستدامة المالية: مفهومها وأهميتها


وحتى بعد مرور عدَّة أشهر من تلك الأزمة فإنَّ عائدات الشركات بقيَت أقل بنسبة تُقدَّر بحوالي 40%، واقترن ذلك بخسائر كبيرة في الدخل؛ والتي تسبَّبَت بتعرُّض القطاع الخاص إلى أضرار كبيرة ودائمة؛ إذ زادت مخاطر تخلُّف الشركات عن سداد الديون المترتبة عليها.

لذلك من الصعب دائماً تحديد الشركات القادرة على البقاء والشركات غير القادرة على البقاء على الأمد الطويل ومواجهة المصاعب المالية المُحتمَلة؛ نظراً للتغييرات الاقتصادية الهيكلية التي ترتبط بمختلَف الأزمات التي تحدث في العالَم؛ ولذلك أيضاً زاد الاهتمام كثيراً بمفهوم الاستدامة الماليَّة في الآونة الأخيرة لكونه ضمان البقاء لمختلَف الشركات، فما هو مفهوم الاستدامة المالية وما هي أهميته للشركات؟ وهل يتعلق ذلك المصطلح بالشركات الخاصة أم أنَّه ضروري لمختلَف الشركات؟ وهل تُوجَد عناصر رئيسة للاستدامة المالية؟

نقدِّم لك هذا المقال الذي يجيب عن جميع الأسئلة السابقة.

مفهوم الاستدامة المالية:

الاستدامة هي صفة تُطلَق على أي شيء قادر على الاستمرار؛ وذلك بعد الوصول إلى مستوى معيَّن؛ لذلك يمكننا تعريف الاستدامة المالية بأنَّها قدرة المؤسسة أو الشركة على الاستمرار في الحالة المالية؛ والتي تتعلق بسياسات الإنفاق والإيرادات التي هي عليها في الوقت الراهن دون خفض الموازنة العامة المالية أو التعرُّض إلى خطر الإفلاس الذي يتسبب بعدم قدرتها على الوفاء بالالتزامات المالية المستقبلية لها، فلا تقع في خطر زيادة الدَّين المترتب عليها بشكل مستمر، ويتعلق ذلك بمختلَف المؤسسات سواء الحكومية منها أم الخاصة أيضاً.

أما بالنسبة إلى المنظمات الخيرية فإنَّ الاستدامة المالية لها تعني الحالة المادية التي تمكِّنها من الاستمرار في تحقيق رسالتها الخيرية على الأمد القصير والطويل؛ إذ تكون قادرة على تقديم أفضل الخدمات للمستفيدين نتيجة توفُّر فائض مالي لديها، فمهما حدث من تغييرات في الظروف سواء الداخلية أم الخارجية، لن تتأثر أهدافها وخطواتها المُتَّفَق عليها آنفاً.

شاهد بالفيديو: كيف يمكن الوصول إلى الحرية المالية؟

 

العناصر الرئيسة للاستدامة المالية:

تُوجَد للاستدامة المالية عناصر أو يمكننا تسميتها بالمكونات الرئيسة الأربعة وهي التي تدعمها، وهي كما يأتي:

1. الوصول إلى رأس المال:

تحتاج الشركات على اختلافها في المرتبة الأولى إلى امتلاك الكثير من الأموال لتُجنى الأموال فيما بعد وتُحقَّق الأرباح المرجوة من هذا العمل؛ إذ تحتاج إلى المال بغاية إدارة مشروع توظيف ناجح، فإعداد فريق للعمل في بداية الأمر يحتاج حتماً إلى مبلغ من المال؛ والذي يُسمى “رأس المال”، ويمكن الحصول عليه بعدة طرائق منها التمويل الذاتي للمشروع، أو يمكن الحصول على هذا المال من خلال الحصول على قرض من أحد البنوك مثلاً، ومن ثم تحتاج الشركة إلى رأس مال متداوَل مستمر من أجل القدرة على القيام بالعمليات اليومية لها، إضافة إلى حاجتها إلى رأس مال استثماري لإعادته إلى الشركة وتحقيق النمو لها.

2. الربحيَّة:

إن كانت الربحية مرتفعة بشكل كبير، فقد تفتح بذلك الطريق للشركة أمام المنافسين لها من الشركات منخفضة الأسعار، ومن ثم يتسبب ذلك بحروب مدمِّرة في السوق بين الشركات ليصل الأمر إلى حالة عدم استقرار مالي عام، ومن ثم تتأثر مختلف الشركات سلباً.

على النقيض من ذلك فإن كانت الربحية منخفضة جداً؛ فقد ينعكس ذلك سلباً على التدفُّق النقدي الخاص بالشركة، فيزيد الضغط في مُختلَف أنحاء الشركة؛ فقد تحدث تغييرات سلبية في الإيرادات والنفقات أيضاً فتحدُّ من القدرة على الاستثمار؛ وهذا يعني الضرر بالاستدامة المالية للشركة.

3. التقارير:

تُوجَد حاجة ماسَّة إلى إعداد التقارير المالية؛ وذلك بهدف تقييم العمل الذي تقوم به الشركة؛ إذ يسمح ذلك بإنشاء خطة لمراجعة الأموال بشكل مُنتظَم ومستمر؛ مما يتيح لها الفرصة في استغلال واغتنام جميع الفرص الهامة إضافة إلى عكس أي اتجاه سلبي؛ مما يضمن زيادة مستويات رأس المال فتتمكن من النمو من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ، وكل ما سبق ذكره لا يتم إلَّا بتوفر بيانات مالية قوية.

4. التخطيط:

النمو المُستدام يحتاج إلى خطة سابقة تُبقي الشركة على المسار الصحيح لتحقيق هدفها المرسوم، وغالباً سيكون من الصعب الالتزام بالخطَّة حرفياً ومن السهل جداً الابتعاد عن المسار المُحدَّد منذ بداية العمل؛ لذلك من الضروري جداً أن يكون التخطيط المالي مرناً كي تكون الشركة متماشية مع تغييرات السوق المفروضة ولاغتنام الفُرَص غير المُتوقَّعة سابقاً، وبالطبع المرونة غير كافية؛ فالتخطيط يجب أن يكون قوياً بما يكفي لكي يمنع الشركة عن الوصول إلى حالة خطيرة وغير مُستدامَة.

عوامل تحقيق الاستدامة الماليَّة للمنظمات غير الربحيَّة:

إنجاز مهام المنظمة الخيرية غير الربحية يحتاج إلى الاستدامة المالية حتماً لكي لا يصل بها الأمر إلى مفاوضة المانحين ممَّن قد لا يتفقون مع وجهة النظر الخاصة بالمنظمة أو مع التكاليف التي تحتاج إليها لتنفيذ مَهمة، ولتحقيق الاستدامة المالية على المنظمة الخيرية القيام بما يأتي:

1. امتلاك معرفة تسويقية:

لأنَّ امتلاك المعرفة الكافية بالتسويق هو أمر ضروري لاستقطاب متبرعين أسخياء للحفاظ عليهم أيضاً على الأمد الطويل؛ إذ يمكن تحويلهم من مجرد متبرعين لهذه المنظمة إلى مناصرين لها وداعمين في مُختلَف الخطوات، فلا يحدث أي خلاف حتى إن لم يكن هنالك اتفاق مُطلَق على وجهة نظر معيَّنة.

2. إظهار القيمة للداعمين:

سواء من العاملين أم الممولين أم كل من ساهم في إنجاز المهام بمنحه لشيء هام؛ وذلك أيضاً بهدف الحفاظ عليهم.

3. التخطيط للاستدامة:

شرحنا أهميته في الفقرة السابقة.

إضافة إلى العوامل الأساسية السابقة تُوجَد عدَّة أساليب ضرورية لتحقيق الاستدامة المالية لمختلَف المنظمات غير الربحية؛ وهي كما يأتي:

1. إخبار العالَم المحيط في البداية عن فكرتك وشغفك وأهدافك:

وذلك ليصل إليهم شعورك بالإيمان المُطلَق بهذه المنظمة؛ فتستطيع من خلال ذلك استقطاب أكبر عدد من الداعمين من أفراد المُجتمَع والمؤسسات الحكومية أو الخاصة الفردية.

2. ابتكار طرائق لكسب الدخل:

فلا يجب أن يكون الاعتماد فقط على التبرعات والمنَح التي تُقدَّم من المجتمع والجهات الخارجية أو الداخلية؛ بل يجب استغلال مُختلَف الفرص التي تجعل المنظمة تكسب المال الذي يشكِّل ضماناً لها لاستمرار عملها؛ كأن تُقدَّم استشارات مأجورة في مجال عمل المنظمة.

3. التركيز في منصات التواصل الاجتماعي:

فهي تُمكِّن المنظمة من شرح أهدافها وإيصال أفكارها إلى أكبر عدد من أفراد المُجتمَع، كما يمكن عرض بُعد الأعمال التي تنفذها لكي تكون موضع ثقة بالنسبة إلى المتبرعين؛ فتضمن استمرار تعاونهم معها على الأمد الطويل.

4. التواصُل باستمرار:

مع مُختلَف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومناقشة الأعمال والمشاريع معها والنقاط التي يمكن التعاون لتحقيقها معها بما يعود بالفائدة على مختلف الأطراف.

5. العناية بالأشخاص العاملين في المنظمة لضمان استمرارهم في تقديم الخدمات:

فغالباً العاملين في المنظمات غير الربحية هم أشخاص متطوعون، لكنْ لا يعني ذلك امتلاك أي شخص منهم لمخزونٍ لا نهائي من الطاقة؛ وهذا يعني أنَّه إذا لم يكُن هذا العامل يشعُر بأهميته في المنظمة ويشعر بدعم فريق العمل له بشكل دائم، يمكن أن يترك العمل في أيَّة لحظة؛ فيجب توظيف شخص بديل وتدريبه، وبالطبع سيكون هذا الأمر مُكلِفاً وخاصةً إن لم يكُن العاملون في المنظمة متطوعين وكانوا يتقاضون الأجور مقابل عملهم.

أهمية الاستدامة المالية:

الاستدامة المالية هي الضمان الوحيد لاستمرار عمل المؤسسات والشركات بالطريقة التي تُحقَّق فيها الأهداف التي خُطِّطَ لها سابقاً مع تغطية كافة التكاليف المالية لذلك، وزيادة في الأرباح ونمو في الشركة ودون الدخول في أزمات مالية ينتج عنها الوقوع في فخ الدَّين واقتراض المال دون القدرة على تسديد الديون بالمواعيد المُحدَّدَة.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لإدارة أموالك بشكل أفضل

 

تحديات تحقيق الاستدامة المالية:

بعض الأمور الخارجة عن سيطرة الشركة قد تقف في وجه الاستدامة المالية لها، ومنها ما يأتي:

1. اللوائح الحكومية:

التي تشبه القوانين؛ فهي قواعد عامة لا تخص فئة معيَّنة فقط، وتترتب عقوبات على كل مَن يخالفها.

2. الظروف الاقتصادية:

التي قد تكون مناقضة لما يتطلَّب لتحقيق الاستدامة المالية.

في الختام:

الاستدامة المالية هي مُصطلَح يُستَخدَم في السياسات المالية سواء الخاصة أم العامة أم المنظمات غير الربحية، وهي الحالة المالية التي تتمكَّن فيها المؤسسة من الاستمرار على الحالة المالية التي هي عليها دون التعرُّض إلى الإفلاس أو خفض الموازنة العامة؛ فينتج عن ذلك تراكُم الديون على المؤسسة.

بالنسبة إلى المنظمات الخيرية غير الربحية فإنَّ الاستدامة المالية تضمن لها استمرارها في تقديم الخدمات الخيرية التي بُنيَت المنظمة بهدف تحقيقها، وللاستدامة المالية مكونات رئيسة؛ وهي الوصول إلى رأس المال الذي تحتاج إليه أيَّة شركة للبدء بالعمل، والربحية التي يتسبب انخفاضها بزيادة الضغط على المؤسسة، وإعداد التقارير المالية القوية أيضاً.

إضافة إلى المكونات الثلاثة السابقة فأيضاً يُعَدُّ التخطيط القوي والمَرِن ضرورياً لمنع وصول المؤسسة إلى منطقة خطيرة وغير مُستدامَة، وفيما يتعلَّق بالمنظمات غير الربحية؛ فتحقيق الاستدامة يحتاج إلى معرفة تسويقية وإخبار أكبر قدر من الأفراد والمؤسسات عن عمل المنظمة لكسب أكبر قدر من المتبرعين وغير ذلك من الأساليب آنفة الذكر في مقالنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى