كيف تضع حداً للتكاليف الغارقة؟
على سبيل المثال: يجب أن تعرف ما إذا كان بإمكانك إعالة أسرتك، ويجب أن تتأكد من أنَّ خيارك المهني الجديد سيقدم لك ما تفتقده في وظيفتك الحالية، غير أنَّ هذه العوامل تستهلك وقتاً وطاقة أقل بكثير مقارنة بالأمور الأخرى التي هدرت وقتك بالتفكير فيها، مثل:
هل من الحكمة العمل في مجال غير الذي عملتَ بجد للحصول على شهادة فيه؟ وهل يجب أن أترك الشركة المرموقة التي أعمل فيها؟ وهل من الخطأ التخلي عن الخبرة والسمعة الحسنة التي اكتسبتُها خلال ممارسة مهنتي الحالية؟
في النهاية، يجب أن تقرر ما إذا كانت هذه المجازفة تستحق العناء؛ لكنَّ الأمر الأكيد هو أنَّك ستدرك بعد مرور سنوات كم أنَّك هدرتَ من الوقت بلا فائدة على التفكير في العديد من الأشياء غير الهامة، وذاك ما يدعى “مغالطة التكلفة الغارقة” (sunk cost fallacy).
تُعَدُّ مغالطة التكلفة الغارقة سبباً شائعاً لاتخاذ القرارات السيئة، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالعمل والوظائف؛ لكنَّ المغالطة تشمل أكثر من تلك المجالات؛ إذ إنَّ التكلفة الغارقة تتضمن أيَّة تكلفة تكبدتَها سابقاً، سواءً من المال أم الوقت أم الجهد، والتي لا يمكنك استردادها، شأنها شأن أيِّ استثمار لا يمكن استرداد قيمته.
تتجلى هذه المغالطة في طرائق شتى، على سبيل المثال: هل سبق لك أن بدأت بقراءة كتاب وشعرت بالملل في منتصفه، ولكنَّك تابعت قراءته حتى النهاية على الرغم من ذلك؟ يجب ألَّا يؤثر الوقت الذي قضيته بالقراءة في قرارك بشأن استثمار مزيد من الوقت في كتاب لا يستحق العناء، ولكنَّه غالباً ما يؤثر؛ إذ كلما زادت الطاقة أو الموارد التي تبذلها على شيء ما، صعُبَ التخلي عنه أكثر.
إذا كان من الصعب التخلي عن كتاب سيئ لهذه الدرجة، فيمكنك أن تتصور كم قد تؤثر التكاليف الغارقة في قرارك بالالتزام بممارسة مهنتك على الرغم من رغبتك في السعي خلف شيء آخر، ولا بُدَّ أنَّك مررت بحالة مشابهة، حين واجهت صعوبة في إجراء تغيير لكيلا تخسر استثماراً سابقاً من الوقت أو الموارد.
سبب صعوبة التخلي عن التكاليف الغارقة:
أحد الأسباب الرئيسة لوقوعنا ضحية مغالطة التكلفة الغارقة، هو أنَّ البقاء في الوضع الراهن – مهما كنت تكرهه – غالباً ما يكون الخيار الأسهل، فهو لا يتطلب بذل جهد أو المجازفة ولا يحتاج إلى تغيير.
سبب آخر هو ميلنا إلى التفكير في النتائج على الأمد القصير؛ إذ في حين نفضل جميعاً المكافآت الكبيرة أكثر من المكافآت الصغيرة، إلا أنَّ معظمنا يفضل المكافآت الفورية على المكافآت المستقبلية، حتى عندما تكون قيمة المكافآت المستقبلية أكبر.
تُعَدُّ هذه الظاهرة نوعاً من أنواع التحيز المعرفي، وتدعى “الخصم الزائدي” (hyperbolic discounting)، وتشير إلى فكرة أنَّه كلما طال الوقت قبل الحصول على المكافأة، قلَّ الدافع في اللحظة الراهنة لبذل الجهد وتحقيقها؛ لذلك فإنَّ الميل إلى تقدير المكافآت الفورية يمكن أن يدفعنا إلى مضاعفة الاستثمارات السابقة؛ لأنَّ احتمال الحصول على مكافآت أكبر على الأمد الطويل يبدو أقل واقعية.
باختصار، نحن نركز على التكاليف الغارقة لأنَّ التغاضي عنها يمثل مجازفة، ولكن بالنظر إلى حقيقة أنَّ التكاليف الغارقة لا يمكن استردادها؛ يعني ذلك أنَّنا بحاجة إلى إعادة التفكير في المخاطر؛ فإنَّ اتخاذ القرارات المستقبلية بناءً على التكاليف الغارقة في الماضي، يضمن أن تبقى ظروفنا على حالها أو تسوء حتى، وإذا كانت هذه الظروف لا تتوافق مع أهدافنا المستقبلية، فإنَّ عدم تغيير الوضع هو بحد ذاته خيار محفوف بالمخاطر.
إنَّ معرفة متى يكون التمسك بما هو موجود هو الخيار الذكي ومتى يحين وقت التغير، ليس قراراً سهلاً، وعلى الرغم من أنَّ المثابرة صفة جديرة بالتقدير، لكنَّ الإصرار الأعمى في السعي وراء الأهداف الخاطئة لا يؤدي إلا إلى عدم الرضى، كما قال رجل الأعمال “وارن بافيت” (Warren Buffet): “أهم شيء يجب أن تفعله إذا سقطتَ في حفرة هو أن تتوقف عن الحفر”.
إذا كنت تريد شيئاً جديداً، فقد يحثك حدسك على سلوك طريق مختلف، لكنَّ التكاليف الغارقة قد تدفعك إلى المكوث والتشبث بالحاضر.
يتطلب المضي قدماً أن نتخلى عن التكاليف الغارقة؛ إذ يقول المؤلف “سيث جودين” (Seth Godin): “كل ما تملكه من الملابس في خزانتك، وإنجازاتك الأكاديمية وما بعدها، هو مجرد هدية؛ إنَّها هدية من نفسك في الماضي إلى نفسك في الحاضر، ويعود لك أن تقرر ما إذا كنت تريد الاحتفاظ بهذه الهدية اليوم.
الأمر بهذه السهولة، أنت لا تدين لنفسك في الماضي بأيِّ شيء سوى اختيار ما إذا كانت هذه الهدايا مفيدة في الحاضر أم لا”. التكاليف الغارقة هي هدية يمكنك التخلي عنها إذا كنت تريد، وإذا كنت تريد تغيير شيء ما في حياتك، فيجب أن تتخلى عنها.
المصدر
اكتشاف المزيد من رذاذ التجارة والاقتصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.