تجربة البيع بالتجزئة في زمن ما بعد جائحة كورونا
لا شك أن جائحة “كوفيد-19” شكلت موجة تغيير هائلة طالت تداعياتها جميع المجالات بدرجة متفاوتة، لكن الزعزعة التي أحدثتها في قطاع تجارة التجزئة والتكنولوجيا المالية كانت الأوسع نطاقاً سواءً من ناحية المستهلكين أو شركات البيع بالتجزئة.
وتجلّت هذه التأثيرات على عدة مستويات؛ بدءاً من تغير سلوك المستهلكين وتوجههم نحو التسوق عبر الإنترنت لتجنب الذهاب إلى المتاجر والاختلاط بالآخرين، ووصولاً إلى تبني شركات البيع بالتجزئة للخدمات اللالمسية بالاعتماد على تقنيات الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي وغيرها. إذاً، وبناء على ذلك، كيف ستبدو تجربة البيع بالتجزئة في المستقبل؟
شارك أكشاي شوبرا، نائب الرئيس ومسؤول قسم الابتكار والتصميم في شركة “فيزا” بمنطقة أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وإفريقيا (سيميا)، في ندوة افتراضية بعنوان: “كيف ستبدو تجربة البيع بالتجزئة في المستقبل”، عقدتها “إم آي تي تكنولوجي ريفيو العربية” مؤخراً بالاشتراك مع “هارفارد بزنس ريفيو العربية”، وضمت كلاً من آرجون فير سينج، نائب الرئيس التنفيذي في قسم البطاقات والدفع في “مجموعة ماجد الفطيم”، وعضو في مجلس التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وموزام جاديا، نائب الرئيس في قسم المدفوعات بشركة “نون” (Noon)، واستضافتها فيرا فوتورجينسكي، الرئيسة التنفيذية ومؤسسة شركة “فيريتاس فينتشرز”، ضمن سلسلة ندوات “فيزا” للابتكار.
التحولات على تجربة البيع بالتجزئة بعد الجائحة
قال شوبرا إن سلوك المستهلكين قد شهد تحولاً تكتونياً بعد الجائحة. وأشار إلى أن 80% من المستهلكين في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبلدان الأخرى في المنطقة غيروا طريقة تسوقهم. وأوضح أن اثنين من كل ثلاثة مستهلكين يجرون جزءاً من تسوقهم عبر الإنترنت، وهذا يمثل تحولاً غير مسبوق خلال فترة قصيرة لا تتجاوز بضعة أشهر. ونوّه شوبرا بارتفاع طلب المستهلكين على بعض الفئات غير الغذائية مثل ترميم المنازل.
ومن ناحية أخرى، تزايد اهتمام المستهلكين عالمياً، وبشكل أكبر في المنطقة، بمسائل الصحة العامة والتعقيم والتباعد الاجتماعي. وفي هذا الصدد، قال شوبرا إن الإحصاءات تشير إلى أن حوالي نصف المستهلكين عالمياً، و3 من كل 4 مستهلكين في الإمارات العربية المتحدة، لن يذهبوا إلى أي متجر ينبغي عليهم فيه الاحتكاك جسدياً بالمحاسِب أو جهاز محاسبة. بينما أكد 90% من المستهلكين إنهم سيُقدمون بسعادة على تغيير المتجر الذين يذهبون إليه عادة، والانتقال إلى التسوق في متجر آخر يوفر خدمات عدم التلامس، من قبيل الدفع باستخدام الهاتف أو تقنيات أخرى لا تتطلب أي تلامس جسدي.
أما على مستوى الشركات، فقد أدت الجائحة إلى تأثيرات شديدة وخصوصاً على الشركات الصغيرة. لذلك، قال شوبرا، إن “فيزا” أعلنت في وقت مبكر من تفشي الوباء عن تمويل بقيمة 200 مليون دولار لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وتزويدهم بمجموعة من الأدوات والموارد والمعلومات لمساعدتهم على إدارة أعمالهم بشكل أفضل واستعادة عافية أنشطتهم بشكل أسرع.
وأشار شوبرا إلى أن الجائحة أدت إلى ظهور نماذج عمل جديدة تضم كامل قنوات التسويق (Omnichannel). ومن شأن هذه النماذج أن تساعد في تخفيف الكثير من الضغط على البائعين في متاجر التجزئة، وفتح خطوط جديد للعمل أمام شركات التوصيل وبائعي التجزئة عبر الإنترنت، كما أنها تحمل النفع للمستهلكين لأنها تتيح لهم الحصول على مشترياتهم دون الحاجة إلى الذهاب للمتجر.
التوجهات الجديدة لمستقبل البيع بالتجزئة
من الواضح أن “كوفيد-19” كان محركاً أساسياً للدفع نحو تسارع هائل في النمو كان ليأخذ 5-10 سنوات لكنه حدث في غضون 8 أشهر. حيث أفرز الوباء مجموعة من التوجهات الناشئة الجديدة التي حددها آرجون فير سينج، نائب الرئيس التنفيذي في قسم البطاقات والدفع في “مجموعة ماجد الفطيم” وعضو في مجلس التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعدة نقاط:
1- التحول نحو التسوق اليقظ أو الحريص (Mindful Shopping)؛ أي التزام الناس بشراء السلع الأساسية، ما فرض تحدياً على الفئات الاختيارية.
2- التحول إلى التسوق عبر الإنترنت قد جلب شرائح جديدة من المستهلكين، وسيؤدي ذلك إلى تغذية النمو في المستقبل سواء كان عبر الإنترنت أو غير ذلك.
3- انتقال العديد من القطاعات، وليس فقط تجارة البقالة، إلى البيع عبر الإنترنت. وبالفعل، شهدنا قيام الناس بحجز خدماتهم وشراء إكسسواراتهم وحتى سياراتهم عبر الإنترنت.
4- أصبحت الخدمات وراء الكواليس في الواجهة الآن وعلى احتكاك مع المستهلك؛ حيث أصبح توصيل السلعة إلى المستهلك في الوقت المناسب لا يقل أهمية عن عرض السلع في المتجر بطريقة جذابة.
5- أصبحت طريقة الدفع جزءاً أساسياً من كل ذلك؛ إذ إنها لم تعد مجرد خطوة في نهاية رحلة التسوق، حيث تستخدم بطاقة الائتمان أو الخصم لإجراء الدفع.
6- انعطافة سلسة إلى “الدفع عند التوصيل” عوضاً عن “الدفع نقداً عند التوصيل”، وفي ظل توافر التكنولوجيا سواء كانت الجيل الخامس أو إنترنت الأشياء أو الحوسبة السحابية أو الذكاء الاصطناعي، فإن الدفع سيكون مختلفاً جداً. لكن من المهم إثبات فعالية هذه التقنيات وتجربتها واختبارها ليس فقط من جانب المستهلكين وإنما من جانب باعة التجزئة أيضاً، قبل تبنيها على نطاق واسع.
7- نمو كبير في أسلوب “بوبيز” (BOPIS)، أي الشراء عبر الإنترنت/ والاستلام في المتجر.
8- انتقال كبير إلى استخدام بطاقات الحسم خلال الأشهر الماضية.
من جانبه، تناول موزام جاديا، نائب الرئيس في قسم المدفوعات بشركة “نون”، كيفية تفاعل شركة “نون” مع الظروف الناجمة عن الوباء. فبالإضافة إلى وضع تدابير سلامة صارمة في المتاجر، أوضح جاديا أن الشركة قد أطلقت العديد من الأفكار الفريدة في المنطقة فيما يتعلق بفئة السلع الأساسية الأكثر طلباً- بالإضافة إلى الكمامات والقفازات في بداية الوباء- مثل إطلاق “نون ديلي” في دولة الإمارات وبرنامج الولاء (VIP) وبرنامج “محلي”. كما عملت الشركة على رصد توجهات الزبائن وتوفير السلع التي يطلبونها بسرعة وبطريقة عالية الجودة وآمنة.
كشف جاديا أيضاً عن العديد من تقنيات الدفع التي تم إطلاقها مؤخراً في دولة الإمارات مثل الشراء بالاعتماد على مسح رمز الاستجابة السريعة باستخدام جهاز الهاتف ومن دون أي تلامس. وعبّر عن اعتقاده بأن هذا النوع من الابتكارات سيشهد توسعاً هائلاً خلال فترة قصيرة جداً.
كما أوضح جاديا الدور الذي لعبته شركة “نون” في إنقاذ الشركات المتوسطة والصغيرة من خلال فتح منصتهم أمام عدد كبير من الباعة، وعقد شراكة مع “فيزا” لتسهيل الدفع أمام الزبائن والاستفاداة من مزايا التحويلات المالية التي توفرها “فيزا”. واستعرض الشراكة التي عقدتها الشركة مع “دبي مول” الذي أصبح متاحاً بالكامل على “نون” في غضون أسابيع فقط.
وفي هذه الندوة، قدّم فريق “فيزا” عرضاً توضيحياً لإثبات مفاهيم يعمل على تطويرها وتشمل تطبيق “سوبر باي” (SuperPay) وتوظيف تقنيات الواقع المعزز والدفع بالاعتماد على رمز الاستجابة السريعة وغيرها من التقنيات المتقدمة.
بعد الجائحة، من الواضح أن العالم الحقيقي والرقمي يختلطان ببعضهما بطريقة غير مسبوقة. لهذا تعمل فرق “فيزا” على تطوير حلول مسبقة تتمتع بأفضل ما في العالَمين للدفع نحو تقديم تجارب ذات قيمة وإثبات مبادئ عمل لمستقبل تجارة التجزئة. ورأى شوبرا أننا لن نشهد صداماً بين العالم الحقيقي والرقمي، بل سيحصل اندماج رائع بينهما؛ حيث إن كلاً من الجانبين يتمتع بالعديد من المزايا التي يرغب الجانب الآخر في محاكاتها. وعبر شوبرا عن سعي “فيزا” إلى التموضع في موقع يسمح لها بتقديم الوحدات الأساسية لبناء المستقبل من خلال التركيز على السلامة والأمن والتجارة السلسلة.
اكتشاف المزيد من رذاذ التجارة والاقتصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.